منذ أن اندلعت الثورة في مصر، كثرت المليونيات والجُمع، وقلَّت -إلى حد الندرة- فكرة العمل والإنتاج والاستقرار.. فلماذا؟ لماذا المليونيات؟ ولماذا المسمَّى؟!! ولماذا رفض الاستقرار، والعمل، والإنتاج... لماذا؟ الواقع أن الأمر صار يُثير الضجر والملل، خاصة أن المطالِب صارت لا نهائية، حتى إنها تبدأ بعدد محدود في بداية المليونية التي لم تبلغ قط مليون شخص، وفقاً لاسمها، ثم تنتهي بمليون مطلب، تسعة وتسعون في المائة منها غير قابلة للتنفيذ، إلا لو أردنا لهذا البلد الخراب. ثم إن المشاركين في هذه المليونيات أصبحوا معروفين.. وأصبح هدفهم الأساسي واضحاً.. لا بد من الصدام مع القوات المسلحة.. وبأي ثمن.. راجع المليونيات العشرة السابقة، واخبرني إذا ما كان الهدف يختلف في مضمونه النهائي عن هذا.. استفزاز قيادة الجيش، بكل السبل الممكنة.. والسعي للصدام معها.. وبكل السبل الممكنة أيضاً.. راجع كل هذا، وسَلْ نفسك: ماذا يمكن أن تفعل الثورة المضادة، أكثر من هذا؟!! ماذا يُمكن أن تفعل، أكثر من السعي لصدام الشعب مع الجيش، وإشاعة الفوضى، وتحويل مصر إلى نموذج جديد، أشبه بـليبيا وسوريا؟!! فهل هذا ما يريده الشعب حقاً؟ كل مليونية أصبحت تستفزني، بشعار "الشعب يريد".. فهل لو خرج مليون شخص يصرخون؛ فسيعني هذا أن "الشعب كله يريد"؟!! وأنت تقرأ هذه الكلمات.. أهذا ما تريده؟ أنا لا أريد هذا.. وبعضكم لا يريده.. وحديثي مع الناس في الشوارع، والمقاهي، والمؤتمرات، والندوات، يقول إن كثيرين لا يريدونه؟ نحن لسنا من ذلك الشعب الذي يريد إذن.. أو ربما لسنا من الشعب من الأساس.. وهل تعتقدون أن المليونية لو قدَّمت ألف مطلب، وتمّ تنفيذها كلها، فلن تكون هناك مليونية تالية؟ خطأ.. حتى ولو كانت مليون مطلب، ستكون هناك مليونية تالية.. هذا لأن المطلب الأساسي لم يتحقّق.. فالجيش لم يصطدم بالشعب.. ومصر لم تتحوَّل إلى ساحة قتال.. والحرب الأهلية لم تشتعل.. والكيان الاقتصادي لم ينهَر.. والدماء لم ترق في الشوارع أنهاراً.. لذا فلا بد من مليونية جديدة.. هل يبدو كلامي هذا متعنّتاً؟ سيراه البعض كذلك بالتأكيد.. سيرونه بغضبهم وغلَّهم، ورغبتهم الوحشية في الثأر، من كل مخاوف الماضي، وحتى من كل متاعب الحاضر التي يعجزون عن مواجهتها، ويروق لهم أن ينسبوها إلى أي شيء، بخلاف عجزهم.. وآخرون لن يروا كلامي متعنّتاً.. أيضاً لأنهم سيرونه بخوفهم، وذعرهم من الفوضى التي يمكن أن تنشأ، إذا ما حدث الصدام المرتقب.. ولك